“أنت ما تأكل”، قولٌ مأثورٌ يوضح أهمية الغذاء في بناء أجسامنا وتحديد حالتها الصحية، لكن إلى أي مدى يصح هذا القول علميًا؟ وكيف يؤثر الطعام على الصحة العامة للفرد؟
لا يُخفى على أحدٍ اتجاه الأبحاث العلمية الحديثة إلى توضيح تأثير أنواع محددة من الأغذية على أمراض بعينها، وجنح العالم إلى التداوي بالأعشاب الطبيعية بدلًا من العقاقير الكيميائية، ما السر إذن وما علاقة ذلك بمضادات الأكسدة على وجه التحديد؟
لطالما كانت مضادات الأكسدة جزءًا لا ينفصل عن ما يتناول البشر من غذاء نباتي كان أو حيواني؛ لذا وجب تسليط الضوء عليها ومعرفة مدى تأثيرها على صحة الفرد.
تحدث عملية الأيض “التمثيل الغذائي” بصورة مستمرة داخل أجسامنا؛ لانتاج الطاقة اللازمة لأداء المهام اليومية، وسير جميع العمليات الحيوية على أفضل صورة، أثناء أكسدة الطعام بغية الحصول على الطاقة يُنتج ما يُعرف بالجذور الحرة (Free radicals)، وهي جزيئات غير مستقرة تتسبب في اتلاف الخلايا إذا زادت على حد معين، دور مضادات الأكسدة (Antioxidants) يتمثل في وقف التفاعلات المتسلسلة للجذور الحرة؛ مما يمنع أو على الأقل يُبطيء تلف الخلايا الذي تسببه الجذور الحرة والجزيئات غير المستقرة.
وعليه يُمكن تعريف الأجسام المضادة ببساطة على أنها الجزيئات التي تمنع أكسدة المركبات الأخرى، والأكسدة تفاعل كيميائي يمكن أن ينتج عنه جذور حرة تؤدي إلى تفاعلات متسلسلة قد تدمر خلايا الجسم. دعونا نتعرف عن كثب على الجذور الحرة تلك.
بينما يعالج الجسم الطعام ويتفاعل مع البيئة الخارجية تُنتج الجذور الحرة كنواتج ثانوية لعملية المعالجة، عندما يتعذر على الجسم التخلُّص من الجذور الحرة بكفاءة يحدث ما يُعرف بالإجهاد التأكسدي (oxidative stress) نتيجة تفاعل الجذور الحرة مع الخلايا واتلافها؛ مما يؤثر على الوظائف الحيوية بوجه عام، يُطلق على الجذور الحرة أيضًا مصطلح مركبات الأكسجين التفاعلية ويُعرف اختصارًا (ROS).
تتباين العوامل التي تزيد من معدل انتاج الجذور الحرة في الجسم فإمّا أن تكون عوامل داخلية مثل الالتهابات أو خارجية مثل التلوث والتعرُّض للأشعة فوق البنفسجية. تكمن خطورة الجذور الحرة في الإجهاد التأكسدي الناجم عنها والذي يُعتقد أن له اليد العليا في اصابة الفرد بمجموعة من الأمراض الخطيرة كأمراض القلب والسرطان والتهاب المفاصل والسكتة الدماغية وأمراض الجهاز التنفسي ونقص المناعة وغيرها الكثير. تساعد مضادات الأكسدة في معادلة الجذور الحرة في أجسامنا الأمر الذي يعزز من صحة الفرد
بناءً على ما سبق قد يُخيل إليك أن الجذور الحرة شرٌ مطلق، يتسبب تراكم الجذور الحرة بنسبة كبيرة في مضاعفات صحية خطيرة قد تنتهي بالوفاة، إلّا أنها تؤدي وظائف ضرورية لصحة الجسم أيضًا، حيث تعول الخلايا المناعية على الجذور الحرة لمحاربة العدوى، لذا لا يعد القضاء التام على الجذور الحرة حلًا مثاليًا على الإطلاق وإنما الاعتدال والتوازن أحق وأولى.
الجسم في حاجة للحفاظ على توازن معين بين مضادات الأكسدة والجذور الحرة لكيلا يحدث الإجهاد التأكسدي الذي إن استمر لفترة طويلة يمكن أن يؤدي إلى اتلاف المادة الوراثية (الحمض النووي) الأمر الذي يزيد من خطر الإصابة بالسرطان، هناك عدة عوامل بيئية وأخرى تتعلق بأسلوب المعيشة تعزز من تكوين الجذور الحرة وحدوث الإجهاد التأكسدي مثل:
في الحقيقة لا يعبر مصطلح “مضادات الأكسدة” عن مواد معينة، لكنه يصف ما يمكن أن تفعله مجموعة من المواد. يمكن أن نحصل على مضادات الأكسدة من مصادر طبيعية أو صناعية، وتتميز الأطعمة النباتية – على وجه الخصوص- باحتوائها على كمية وفيرة من مضادات الأكسدة، يُعني الجسم بانتاج بعض مضادات الأكسدة المعروفة بمضادات الأكسدة الذاتية (Endogenous)، وهناك نوع آخر من مضادات الأكسدة يوجد في الأغذية النباتية والحيوانية أي من مصادر خارجية لذا يُعرف بمضادات الأكسدة الخارجية (Exogenous).
من أمثلة مضادات الأكسدة الخارجية ما يلي:
يعد كل ما سبق من أنواع مضادات الأكسدة التي نحصل عليها من مصادر نباتية مثل الفواكه والخضروات. يجب اتباع نظام غذائي متنوع ومتكامل فكل مضاد للأكسدة يقوم بوظيفة محددة ولا يمكن استبداله بآخر.
غالبًا ما يُشار إلى الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من مضادات الأكسدة على أنها “أطعمة خارقة” (superfood) أو “طعام وظيفي” (functional food).
للحصول على أنواع محددة من مضادات الأكسدة، حاول تضمين ما يلي في نظامك الغذائي:
تشمل الأطعمة الأخرى التي يُعتقد أنها مصادر جيدة لمضادات الأكسدة ما يلي:
يمكن تصنيف مضادات الأكسدة إلى نوعين:
تقوم مضادات الأكسدة القابلة للذوبان في الماء بوظيفتها في السائل الموجود داخل وخارج الخلايا، بينما تعمل مضادات الأكسدة القابلة للذوبان في الدهون بصورة أساسية في أغشية الخلايا.
من أمثلة ذلك ما يلي:
العديد من المواد التي تصادف أنها مضادات أكسدة وُجِد أن لها وظائف مهمة أخرى، ومن أمثلة ذلك مادة الكوركومينويد (curcuminoids) الموجودة في الكركم، والأوليكانثال (oleocanthal) الموجودة في زيت الزيتون البكر مرتفع الجودة. تعمل هذه المواد كمضادات للأكسدة ولها أيضًا تأثير قوي كمضادات للالتهابات.
اثبتت الدراسات أن اتباع نظام غذائي يحتوي على الكثير من الخضروات والفواكه يقلل من مخاطر الإصابة بأمراض معينة، لكن ليس من الواضح ما إذا كان هذا التأثير الوقائي يرجع إلى مضادات الأكسدة وحدها أو مواد أخرى في الأطعمة.
هناك مَثل يقول “إذا زاد الشيء عن حده انقلب إلى ضده” يمكن أن يؤدي الافراط في تناول مضادات الأكسدة كمكملات غذائية إلى وقوع تأثيرات سامة تُعزز من الإجهاد التأكسدي بدلاً من وقفه، وهي ظاهرة تسمى “مفارقة مضادات الأكسدة”.
تشير بعض الدراسات إلى أن الجرعات العالية من مضادات الأكسدة تزيد من خطر الموت، لهذا السبب ينصح معظم المتخصصين في مجال الصحة بتجنب تناول جرعات عالية من مكملات مضادات الأكسدة إلّا أننا مازلنا بحاجة إلى المزيد من الدراسات القوية في هذا الصدد.
أفضل استراتيجية لضمان تناول كمية كافية من مضادات الأكسدة هي اتباع نظام غذائي غني بالخضروات، علاوةً على العادات الصحية الأخرى. ومع ذلك، قد يكون تناول المكملات مثل الفيتامينات المتعددة بجرعات منخفضة مفيد إذا كنت تعاني من نقص في بعض العناصر الغذائية أو كنت غير قادر على اتباع نظام غذائي صحي.
قد ترتبط الجرعات العالية من مكملات مضادات الأكسدة بالعديد من المخاطر الصحية، على سبيل المثال، قد تزيد الجرعات العالية من بيتا كاروتين من خطر الإصابة بسرطان الرئة لدى المدخنين، وقد تزيد الجرعات العالية من فيتامين هـ من مخاطر الإصابة بسرطان البروستاتا وأحد أنواع السكتات الدماغية، في حين قد تتفاعل مكملات مضادات الأكسدة مع بعض الأدوية مسببة تأثيرات غير مرغوب فيها، لذا يجب استشارة الطبيب قبل الاقدام على تناول مكملات مضادات الأكسدة.