مدة القراءة

6 دقائق

كل ما تود أن تعرفه عن “الموجات الثقالية” أو “موجات آينشتاين”

3400 قراءة

الأمواج الثقالية (gravitational waves)  هي واحدة من أعظم تنبؤات النظرية النسبية العامة لأينشتاين، ففي النظرية النسبية العامة تُفسَّر الجاذبية من خلال انحناء الزمكان، حيث تعمل الأجسام الكبيرة على ثني الزمكان، بينما يملي انحناء الزمكان على الأجسام الكبيرة كيفية تحركها، وبذلك يكون تأثير الزمكان هو ما نسميه بالجاذبية.

 هناك جهود مستمرة للكشف عن الأمواج الثقالية باستخدام مقاييس التداخل في الأرض والفضاء ومن خلال التوقيت الدقيق للنجوم النابضة. ومن المتوقع أن يتم الكشف عنها للمرة الأولى خلال السنوات القليلة القادمة، ومن شأن هذه الأرصاد أن تغير فهمنا للفيزياء الفلكية، والكونيات، والفيزياء الأساسية. ويشارك أعضاء مجموعة الجاذبية في معهد الفلك في جميع جوانب هذا العمل المتعلق باكتشاف الأمواج الثقالية، بما في ذلك مصادر النمذجة، وتحليل البيانات، واستكشاف الاستثمار العلمي للبيانات.  

ما هي الأمواج الثقالية؟ 

إن التشبيه الأكثر شيوعاً لوصف الجاذبية في الصورة التي اقترحها أينشتاين هي تصور الزمكان بوصفه ورقة مطاطية مسطحة. فإذا ما دحرجنا كرة الطاولة فوق ورقة فهي ستتحرك بخط مستقيم، تماماً مثل أي شيء يتحرك بخط مستقيم في غياب الجاذبية. أما إذا وضعنا كرة البولينغ في وسط الورقة فإن الورقة ستتمطط، وهذا هو انحناء الزمكان بسبب الجاذبية. إذا دحرجنا كرة الطاولة مرة أخرى عبر الورقة فإنها الآن ستتبع المسار المنحني، أي أنها ستنجذب نحو كرة البولينغ بسبب جاذبيتها.

92d9567e4b0f121659a5147d9a94042c.jpg

عندما تتحرك الأجسام الثقيلة فيتوجب أن يتغير انحناء الزمكان لمتابعة مواقعها الجديدة. ويحتاج الزمكان وقتاً لذلك، حيث لا يمكن للمعلومات أن تنتقل بأسرع من سرعة الضوء. ولذلك فإن التموجات في الزمكان تشبه التموجات التي تظهر على سطح بركة عند تحريك السطح، وهذه التموجات في الزمكان هي الأمواج الثقالية.

 ويعتبر الإشعاع أو الضوء الكهرطيسي EM من الأشكال المألوفة أكثر للموجات. وتمثل الأمواج الكهرطيسية ذبذبات في المجالين الكهربائي والمغناطيسي، في حين أن الأمواج الثقالية تنتج عن تذبذبات في الزمكان. وتنشأ الأمواج الكهرطيسية من الشحنات المتسارعة، بينما تنشأ الأمواج الثقالية من الكتل المتسارعة.

 وفي الأمواج الثقالية نحتاج كذلك إلى انعدام التناظر في النظام لإنتاج الإشعاع، فمثلاً نحتاج إلى نظام ثنائي وليس فقط لجسم أحادي “عديم الدوران”، ويمكن اعتبار ذلك نتيجة للحفاظ على الزخم. توفر الأمواج الثقالية فرصة لاستكشاف فريد من نوعه لأكثر الأنظمة تطرفاً في الكون، ابتداءً بنشأة الثقوب السوداء فائقة الكتلة المندمجة، إلى النجوم المزدوجة التي تدور بسرعة تقرب من سرعة الضوء، وحتى الانفجار العظيم نفسه. إلا أن التحدي في علم الفلك الخاص بالأمواج الثقالية يكمن في رصد الموجات، ومن ثم فك شيفرة الإشارات لاستخراج المعلومات التي تحتويها.

المصادر الفيزيائية الفلكية للأمواج الثقالية 


تتولد الأمواج الثقالية عن مجموعة واسعة من الظواهر، وكل واحدة منها يمكن أن تخبرنا بشيء مثير عن الكون:

   الثنائيات المجرّية المُندمجة (galactic compact binaries): تتألف الثنائيات المُندمجة على الأقل من قزم أبيض أو نجم نيوتروني يدور جانب رفيقه. وتعتبر مثل هذه المصادر شائعة للغاية في المجرة لدرجة أن بإمكانها أن تبدأ بتشكيل خلفية صاخبة. وسيساعدنا رصد هذه المصادر على فهم نماذج التجمعات النجمية وتطور النجوم. ويجب على بعض الثنائيات النجمية المعروفة بثنائيات التحقق (verification binaries) أن تكون قابلة للكشف في غضون ساعات قليلة من تشغيل جهاز رصد محمول على متن مركبة فضائية، وستسمح لنا باختبار عمله. تقترب النجوم الموجودة في الأنظمة الثنائية من بعضها البعض ببطء وبشكل حلزوني، بينما تحمل الأمواج الثقالية معها الطاقة والزخم. وفي النهاية يندمج الجسمان معاً. ويعتبر الجرم الناتج عن اندماج نجم نيوتروني مع نجم نيوتروني آخر مرشحاً محتملاً لإصدار نفثات أشعة غاما القصيرة، وهي من الظواهر الأكثر إصداراً للطاقة في الكون. 

10f15bcdb57d6e89aa9a3204c7676fcc.jpg
 الثقوب السوداء المندمجة (black hole mergers): يشكل الاندماج أحد الطرق التي تتطور بها المجرات. وتشير الدلائل إلى أن الثقب الأسود فائق الكتلة، وهو ثقب أسود تفوق كتلته كتلة الشمس بملايين المرات، يتواجد في مراكز معظم المجرات. وعندما تندمج مجرتان فإن الثقبين الأسودين فائقي الكتلة الموجودين في مركز كل منهما يتقاربان من بعضهما البعض بشكل حلزوني. ويعتبر الإشعاع الثقالي المنبعث عند تصادمهما أحد أكثر الأحداث صخباً في الكون. وتعتبر الطاقة المنبعثة كإشعاع ثقالي من اندماج ثقبين أسودين فائقي الكتلة أكبر من كمية ضوء جميع النجوم الموجودة في الكون المرئي. ومن شأن قياس هذه الاندماجات أن يخبرنا بالعديد من الحقائق الممتعة عن خصائص الثقوب السوداء، متيحاً لنا الفرصة لاختبار فهمنا للإشعاع الثقالي، وكذلك تحسين فهمنا لتطور المجرة.  

 الدوامات فائقة نسبة الكتلة (extreme – mass-ratio – inspirals): قد تتحرك البقايا النجمية الموجودة في قلب المجرات، مثل الأقزام البيضاء، والنجوم النيوترونية، والثقوب السوداء، باتجاه الثقوب السوداء فائقة الكتلة الموجودة في مركز المجرة نتيجة للطرد الناجم عن أجسام أخرى. وإذا ما اقتربت بشكل كافٍ فهي ستبدأ بالدوران الحلزوني بحيث تتقلص مداراتها نظراً لفقدان كل من الطاقة والزخم الزاوي الذي تأخذه الأمواج الثقالية بعيداً. وتُعرف هذه الظاهرة بالدوامات فائقة نسبة الكتلة نظراً للفارق الكبير بين كتلة الثقوب السوداء فائقة الكتلة والأجرام التي تدور حولها على طريق الاندماج بها. وتكون هذه الدوامة بطيئة، ما يعني أنك تستطيع مشاهدة الأمواج الثقالية التي تنبعث أثناء مئات الآلاف من الدورات. ويسمح ذلك لنا ببناء صورة مفصلة للغاية للزمكان حول الثقوب السوداء فائقة الكتلة. وستمسح لنا مثل هذه الأحداث بتطبيق الفيزياء الأساسية من خلال التحقق بدقة من الحقل الثقالي القوي حول الثقوب السوداء فائقة الكتلة. وإذا ما أجرينا أرصاداً كافية فسنصبح قادرين على معرفة المزيد عن الأنظمة النجمية في مركز المجرات.

d47fbf07e64222e2f7fe0b644e0ae84a-1.jpg

 الانفجار العظيم (the Big Bang): خضع الكون في المراحل الأولى من عمره لفترة من الاتساع السريع للغاية. وقد اتسعت التقلبات الصغيرة في الزمكان إلى حدٍ كبير خلال هذه الفترة بحيث ما زالت موجودة إلى اليوم، وتُعرف باسم خلفية الأمواج الثقالية. ويمكن الكشف عن هذا من خلال دراسة أنماط الاستقطاب في الخلفية الاشعاعية الكونية من الموجات الميكروية (CMB). ومن غير المحتمل أن نصبح قادرين على قياس هذه الخلفية بالأدوات المتوفرة حالياً، رغم أن ذلك ليس مستحيلاً. ومع ذلك فإن إمكانية الكشف عن هذه الموجات ستسمح لنا بفهمٍ أفضل للآلية التي قادت التوسع الأولي للكون واستكشاف الطاقة الفيزيائية العالية جداً. وستسمح خلفية الأمواج الثقالية لنا باستكشاف الماضي حتى لحظة الانفجار الأعظم، أي أكثر بكثير مما يمكن أن نراه باستخدام الإشعاع الكهرطيسي.  

تحولات الطور (phase transitions): مر الكون خلال تطوره من حالته الأولية في عدد من الأطوار التي يمكن أن تترافق مع كسر التناظر أو فصل اقتران القوى. ويمكن لهذه التحولات أن تؤدي إلى تشكل عدة أنواع من الإشعاعات الثقالية. وقياساً على ذلك لنتخيل تبريد المياه إلى أن تبدأ بالتحول إلى جليد، فهذا الوضع هو تحول في الطور. يبدأ الجليد بالتشكل كبلورات صغيرة تنمو باتجاه الخرج. ويمكن للأمر نفسه أن يحدث في الكون، حيث تخضع الجيوب الصغيرة لعملية تحول وتتوسع نحو الخارج كفقاعة. وفي أنواع معينة من التحولات تنبعث الأمواج الثقالية عندما تصطدم الفقاعات، بينما تنشأ العيوب الطوبوغرافية في حالات أخرى بعد التحول. وللتشبيه فإن القياس يكون ممكناً حين تنمو بلورتان من الجليد معاً، ولكن دون أن تكونا متراصفتين بشكل كامل، وبذلك تكون هناك حدود واضحة، خلل، أو جدار مجال.

هنالك نموذجان من العيوب الطوبوغرافية بالنسبة للزمكان، وهي الأوتار الكونية و جدران المجال: الأولى هي أوتار أحادية البعد من الطول الكوني، أما الثانية فهي ثنائية الأبعاد. يتوقع أن تكون مثل هذه العيوب نادرة، وذلك لأنها قد تضعف في الفضاء بفعل توسع الكون. إلا أنها تبدي إشارة فريدة للأمواج الثقالية، والذي يجعلها يسهلة الكشف. ومن شأن الكشف عنها بهذه الطريقة أن يشكل اكتشافاً مثيراً للفيزياء الغريبة.

الكشف عن الأمواج الثقالية


 لا نمتلك حتى الآن إلا أدلة غير مباشرة على وجود الأمواج الثقالية. وفي حين أننا لم نر الموجات بحد ذاتها، إلا أننا استطعنا قياس الطاقة والزخم الزاوي اللذين تحملهما معها. وقد رصدنا عدداً من النوابض الثنائية، فالنابض هو نجم نيوتروني، نجم ميت كان قد انهار حتى وصل إلى حالة من الكثافة العالية، وهو يرسل إشارة دورية “يتم رصدها كنبضة”. تعتبر هذه الإشارات فائقة الانتظام، بل إن النوابض تعتبر في الواقع من أفضل الساعات في الطبيعة، الأمر الذي يسمح بقياس حركتها بمنتهى الدقة. والنوابض الثنائية هي أنظمة يدور فيها نجم نابض حول رفيقه، والذي يمكن أن يكون قزماً أبيض أو نجماً نيوترونياً (أو حتى نابض آخر). وقد كنا محظوظين بالعثور على مثل هذه الأنظمة الرائعة. ففي عام 1974 قام كل من رسل هالس (Russel A. Aulse) وجوزيف تايلور (Joseph H. Taylor) برصد أول ثنائي معروف من النوابض. وقد وجدا أن الفترات المدارية تتغير مع الوقت، وهذا التغير يتفق تماماً مع تنبؤات النسبية العامة فيما يتعلق بفقدان الطاقة والزخم الزاوي بسبب انبعاث الأمواج الثقالية! وقد حصل هالس وتايلور على جائزة نوبل للفيزياء في عام 1993 لتوصلهما إلى هذه النتيجة الرائعة.

يعمل جمع غفير من العلماء والمهندسين حول العالم حالياً لتحقيق أول كشف مباشر للموجات الثقالية. ولرؤية تأثير موجة ثقالية عابرة تخيل أن لديك حلقة من الجسيمات تقع في مستوى ما، وعندما تمر الموجة عبر الحلقة فهي تتمطط وتنضغط، على الرغم من أن المنطقة المغلقة تبقى كما هي. وتعمل الكواشف من خلال محاولة قياس اختلافات الطول عبر الكاشف لدى مرور الموجة. وتكون التغيرات الجزئية في الطول ضئيلة، فهي تعادل جزءاً واحداً من 1021، ولذلك فإن القياسات تكون صعبة للغاية. ويعد ذلك بمثابة محاولة قياس المسافة بين الأرض والشمس بدقة حجم ذرة الهيدروجين!

وتماماً كما هو الحال مع الإشعاع الكهرطيسي، فإن الأمواج الثقالية تكون محصورة في مجال معين من الترددات. ويتم تحديد التردد وفق مقياس النظام الذي يُنتج الإشعاع. ويمكن ملاحظة الأجزاء المختلفة من الطيف باستخدام كاشفات مختلفة.

 يتعاون مرصد فيرغو Virgo الفرنسي – الإيطالي مع مرصد LIGO، وهو يقع بالقرب من بيزا في المرصد الأوروبي للثقالة (EGO). وVirgo هو أصغر قليلاً من الراصد LIGO حيث يبلغ طول ذراعه ثلاثة كيلومترات فقط. كما نذكر المرصد البريطاني الألماني GEO600 في أوروبا، وهو كاشف أصغر بكثير يُستخدم بالدرجة الأولى لتطوير تقنيات حديثة للكواشف الأكبر. تقوم اليابان كذلك ببناء كاشف تحت الأرض في منجم كاميوكا وسيدعى باسم KAGRA. وسيكون الكاشف رائداً في التبريد الفائق، بالإضافة إلى عدة تقنيات أخرى، من أجل تعزيز أدائها، وكان يُعرف سابقاً باسم تلسكوب الأمواج الثقالية المبرد واسع النطاق (LCGT). وينبغي أن يدخل في الخدمة في عام 2018.

فاز ثلاثة علماء فيزياء أميركيين بجائزة نوبل للفيزياء 2017 مكافأة لأبحاثهم حول موجات الجاذبية التي تفتح آفاقاً جديدة لفهم الكون.

وفاز بالجائزة علماء الفيزياء الفلكية باري باريش وكيب ثورن وراينر فايس تكريما لمساهماتهم الحاسمة في تصميم مرصد ليغو ورصد موجات الجاذبية في تثبيت عملي للتنبؤات النظرية التي ضمنها ألبرت آينشتاين في نظرية “النسبية العامة” قبل مئة عام.