مدة القراءة

3 دقائق

في المشرحة (الحلقة الرابعة)

2481 قراءة
1

خرج علاء يهرول من المشرحة؛ باحثًا عن عم محمد، وعندما وجده طلب منه الرجوع معه إلى المشرحة على وجه السرعة.

علاء: من غيرك يدخل إلى هذه المشرحة باستمرار يا عم محمد؟

عم محمد: لا أحد يا بني في الأيام العادية، أما في حالة الحوادث فهناك الكثير من الأشخاص الذين يدخلون إلى هذا المكان.

علاء: هل جربت أن تفتح الثلاجات الموجودة هنا من قبل؟

عم محمد: لا، ولماذا أفعل ذلك يا بني؟ أنا لا أفهم شيئًا في هذا الأمر، طبيعة عملي تقتضي فقط أن أكون الحارس لهذا المكان، لا أكثر، ولا أقل.

نظر علاء إلى عم محمد نظرة طويلة، كان يشعر أن الصوت أراده في آخر رسالته أن يعتمد على عم محمد، ورغم ذلك لم يكن قادرًا على الإفصاح عما بداخله، لكنه قرر أن يختبر عم محمد في البداية، ثم بعد ذلك يحدد، يبدو هذا الحل الوحيد.

علاء: قل لي يا عم محمد، ألا تشعر أحيانًا أنه توجد هناك العديد من التجاوزات في العمل؟

عم محمد: لا أسمع، لا أرى، لا أتكلم. هكذا علموني يا بني عندما تسلمت العمل هنا. إجابتي على سؤالك، نعم، لكنها تحدث دائمًا، وليس أحيانًا.

علاء: هل تعرف ماذا وجدت اليوم عند فتح هذه الثلاجات يا عم محمد؟

عم محمد: وكيف لي أن أعرف يا بني؟ أنت الطبيب لا أنا.

علاء: حسنًا، سأخبرك بكل ما وجدته، لكن عدني أن تساعدني على الوصول إلى الحقيقة فيما يحدث هنا.

عم محمد: أعدك بذلك يا بني، ما دمت تسعى إلى الحقيقة، سوف أقدم لك العون.

علاء: عندما كنت أفحص الثلاجات الموجودة في المشرحة، وجدت أن هناك أنواعًا لم أعرفها من قبل، وهذه الأنواع تستخدم في حالة الرغبة في حفظ الأعضاء البشرية من أجل بيعها. وهذا الأمر غريب تمامًا، ويعني شيئًا واحدًا، أن هناك تجارة أعضاء بشرية تتم داخل هذه المستشفى.

عم محمد: ربما لا أفهم المسألة الطبية التي تتكلم عنها يا بني، لكنني أعرف أن كلامك صحيح، من خلال وجودي هنا مرات عديدة، كانت هناك بعض الزيارات غير المعتادة، والتي فهمت أن لها أغراضًا مختلفة عما أعرفه على الأقل.

علاء: يجب أن يعرف الجميع بما يحدث هنا.

عم محمد: من تقصد تحديدًا بالجميع؟

علاء: الجميع! إدارة المستشفى، رجال الشرطة، الصحافة، كل من يمكنه أن يؤثر في هذه القضية.

عم محمد: ومن قال لك يا بني أنهم لا يعرفون؟ ألا ترى معي أنه ربما لهم يد في المسألة نفسها؟

فكّر علاء في هذا الكلام من قبل أن يقوله عم محمد، لكنه خاف من التصريح به بصوتٍ عالٍ، والآن تكفل عم محمد بهذه المسألة. هكذا هي الحقائق التي نخشى منها، نحاول السكوت عنها، ونفرض على أنفسنا شعورًا بأنها ليست موجودة، حتى وإن كنا نؤمن أنها تحيا بداخلنا. فإذا نطق بها غيرنا، أصبحت تمثل لنا مشكلةً حقيقية لا يمكن إغفالها.

علاء: هل تقصد أن إدارة المستشفى تُشارك في الأمر؟

عم محمد: أحيانًا تكون الأمور واضحة مثل الشمس، لدرجة أنني أراها مهما كنت لا أبصر. مثلًا، يوم أمس رأيت مدير المستشفى هنا بصحبة بعض الأطباء.

علاء: حسنًا، شكرًا لك يا عم محمد، يكفيني هذا القدر من الحديث، سأحاول التصرف الآن.

ذهب علاء إلى مكتب المدير، والذي كان يعرف أنه سيعود إليه مرة أخرى بعد حديثهما اليوم، لذلك رحّب به مباشرةً عند قدومه، دون أن يتساءل عن السبب الذي دفعه إلى الحضور.

علاء: هل تتذكر القسم الذي أقسمناه عندما قررنا مزاولة هذه المهنة يا دكتور خالد؟

خالد: بالطبع، وهل تُنسى مثل هذه الكلمات المعسولة، والتي لا وجود لها في الواقع.

علاء: إذًا أنت تعرف ما الذي أريد قوله لك؟

خالد: في الواقع لا أعرف شيئًا، هلا أخبرتني من فضلك بسبب وجودك هنا حتى لا يضيع وقتي؟

علاء: أنا أعرف بما يحدث في المشرحة، وأعلم بمسألة تجارة الأعضاء. وأريد أن أضع حدًا لهذه المسألة.

خالد: أي تجارة أعضاء تلك التي تتحدث عنها؟ إن هذا اتهام خطير يا دكتور علاء، أتمنى أن تملك دليلًا عليه.

علاء: لا حاجة لي بذلك، أنا لا أتهمك بشيء من الأساس، وإنما كنت أتمنى أن أقدم لك الشكوى بصفتك المسئول. لكن ما دمت لا تعرف شيئًا، إذًا فأنا لم أقل شيئًا.

خالد: عزيزي، كن حذرًا على نفسك. إن هذه الأشياء خطيرة جدًا، ربما أنت تضع نفسك في أزمةٍ أكبر منك، ولن تستطيع أن تخرج منها.

علاء: وفّر نصائحك لذاتك يا دكتور خالد. سوف أرحل الآن، ونلتقي غدًا إن شاء الله.

خرج علاء من المكتب، وهو يشعر أن الغضب يسيطر عليه، فهذه التلميحات التي أخبره بها مدير المستشفى كانت واضحة جدًا، وهو الآن يعرف أن حياته في خطر. لقد عرف أشياءً لا ينبغي له ان يعرفها، ولذلك يجب أن يهلك سريعًا.

لم يعد علاء إلى منزله كما هو متوقع، لكنه قرر أن يفعل شيئًا ذكيًّا. خرج من المستشفى حتى يراه الجميع وهو راحل، ثم عاد مرة أخرى إلى المستشفى، تحديدًا إلى المشرحة، بمساعدة من عم محمد، حيث لن يتوقع أحد أن يكون هناك. وبدأ يرسم خطته من أجل مواجهة ما يحدث، ودوّن في أوراقه العديد من الأشياء. ثم جلس ينتظر الغد الذي يحمل الفصل الأخير من الحكاية.