مدة القراءة

4 دقائق

في المشرحة (الحلقة الخامسة والأخيرة)

3751 قراءة
1

لم يعد علاء يفكر كثيرًا في موضوع الصوت الذي تحدث معه داخل المشرحة، فهو منذ الأمس يعرف أن هناك قضية أكبر يحتاج إلى العمل عليها الآن.

خرج علاء من المشرحة أخيرًا وذهب إلى مكتب المدير، والذي اندهش كثيرًا من حضور علاء، لأنهم استمروا في البحث عنه طوال الليل ولم يجدوه، وبالتأكيد هناك من يراقب المستشفى ولم يبلغ عن حضوره. دخل علاء إلى المكتب وهو يبدو واثقًا من نفسه جدًا، أخرج ورقة من جيبه وقدمها إلى المدير.

خالد: ما هذه الورقة التي قدمتها إليّ يا علاء؟ لماذا تقدم هذه الاستقالة؟

علاء: لقد عرفت أنه لا فائدة من وجودي في هذا المكان، والأفضل لي أن أرحل بلا رجعة من هنا.

خالد: وهل تظن أنك سوف تكون قادرًا على الرحيل حقًا؟

كان علاء يفهم التلميح الذي يقوم به مديره، لكنه رغم ذلك ابتسم ابتسامة عريضة، ولم يرد على السؤال الذي طرحه المدير، ترك الورقة ثم خرج من المكتب مباشرةً. بمجرد خروجه من المكتب، فوجيء خالد بوجود ضباط شرطة في مكتبه.

***

الليلة الماضية:

قرر علاء المبيت في المشرحة، لأنه آمن تمامًا أن خالد لا بد وأنه سوف يحضر إليها بعد حديثهما معًا، وبالتالي هذه فرصته المثالية ليسجل الدليل على ما يحدث هنا.

على الرغم من المآساة التي يعيشها علاء، وكم الغضب الذي يشعر به من الداخل. إلا أن ما حدث ساعده على التعامل مع خوفه من المشرحة، فهو الآن يدخل إلى المشرحة ويتغلب على خوفه الذي ظل موجود لسنوات. ربما لأنه اقتنع بأن هناك شيء أكبر من الخوف، وهو الحقيقة التي تحتاج إلى أن تُكشف. لذلك يشعر بالامتنان الشديد في هذه اللحظة.

قطع دخول خالد ومعه مجموعة من الأطباء إلى المشرحة مجموعة الأفكار التي راودت ذهن علاء، أخرج علاء الكاميرا الخاصة به، وبدأ بتسجيل ما يحدث.

خالد: لقد كشف الدكتور علاء ما نقوم به في المشرحة. لذلك علينا أن نقوم بنقل الثلاجة الخاصة بالأعضاء من هنا، حتى لو كان ذلك سيكلفنا مبالغ طائلة. والشيء الآخر أننا يجب أن نتخلص من علاء للأبد.

حسين: لا مشكلة في النقل، أساسًا نحن قطعنا وعودًا بتقديم الأعضاء المطلوبة للبيع صباح الغد، وبالتالي كل ما علينا فعله هو الاتصال بمن سيتم النقل لهم، وتسريع عملية النقل لتتم الآن.

استمر الحديث بين المجموعة حول ما يجب عليهم فعله مع علاء، لكنه لم يكن يهتم أبدًا، حاول أن يركز كاميرته على تصوير ما يحدث، لأنه هذا سيكون الدليل الوحيد الذي يمكن تقديمه للشرطة.

خالد: هناك مشكلة تواجهنا الآن، لقد أخبرني رجالي أن علاء لم يعد إلى منزله، رغم أنه غادر المستشفى.

محمود: في رأيي اطلب من رجالك الاستمرار في المراقبة، وما دام غائبًا عنا فهذا في صالحنا بالتأكيد، لأنه لن يقدر على أن يفعل لنا أي شيء وهو غير موجود.

خالد: نعم أنت على حق، والآن بعد أن أتممنا النقل، يمكننا أن نغادر هذا المكان للأبد.

خرج خالد ومن معه من المشرحة، مما سمح لعلاء بالخروج من مخبئه. قام بإرسال الفيديو إلى العديد من الصحفيين الذين يعرفهم، وكذلك إلى رجال الشرطة، بعد أن أبلغهم بكل التفاصيل هاتفيًا شارحًا لهم الموقف الذي يعيشه حاليًا.

يعرف علاء أنه لن ينجح في فعل أي شيء إلا إن قام بإثارة الإعلام، وأصبحت القضية رأي عام. وهذا ما حدث، ودفع برجال الشرطة بالحضور إلى المستشفى، وبدء التحقيق مع خالد والأطباء المرافقين له.

وبسبب الضجة التي حدثت نالت المجموعة عقابًا شديدًا، وعلى الرغم من الشكر الذي تلقاه علاء على مجهوده، والعروض التي قُدمت له من أجل العمل، إلا أنه كان جادًا في استقالته، فهو يعرف أنه لا يريد العمل في هذا المكان مرة أخرى.

ذهب علاء إلى المستشفى ليودع الزملاء، وتحديدًا من أجل زيارة عم محمد، والذي ساهم في نجاح التحقيقات بشكل أساسي، نظرًا للمعلومات التي امتلكها حول القضية.

دخل علاء غرفة عم محمد، ووجد هناك جهاز يشبه الراديو، لم يكن عم محمد متواجد في هذه اللحظة، لذلك قرر علاء تشغيل الجهاز دون استئذان، فهو يشعر بالحنين حقًا إلى هذا الراديو، وتحديدًا صوت أم كلثوم. لكن علاء فوجيء بما سمعه على الجهاز، وبعد أن انتهى مباشرةً، دخل عم محمد إلى الغرفة، وهو ينظر إلى يد علاء الممسكة بالجهاز.

علاء: لقد كان أنت منذ البداية.

عم محمد: نعم يا بني.

علاء: لماذا فعلت ذلك؟

عم محمد: لقد احتاج هؤلاء الموتى لمن يُثير قضيتهم، ولأنني أعرف جميع العاملين هنا، فلم يكن هناك من يمكنني الاعتماد عليه سواك. وأنت تكره المشرحة ولا تنزل إليها أبدًا. وعندما رأيتك في هذا اليوم، علمت أنها فرصتي لتنفيذ الفكرة. هذا الجهاز امتلكته بالصدفة، وهو ليس براديو، لكنه يستخدم في التسجيل، ويخرج الصوت من خلاله مرعبًا مثلما كنت تستمع إليه، وبعد ذلك يُسجل الكلام عليه.

كنت أعرف أنك ستخاف من الأمر، وبالتالي لن تفكر في منطقيته قدر تفكيرك في خوفك. وأيضًا من خلال معرفتي بك، تمنيت أن تهتم بالقضية حقًا وتسعى إلى مساعدة هؤلاء.

ببساطة أضع ميكروفون مرتبط بالجهاز، أرسل ما أريده من مكانٍ قريب، وفي الظلام أنت لن ترى ماذا يحدث من حولك. وبالتالي يبدو الأمر كأنك تخاطب أحد هؤلاء الموتى.

آسف يا بني، لم يكن في يدي حل آخر، أنت الوحيد الذي أمكنني الوثوق به، وبالتالي كان عليك أن تعاني حتى تنجح هذه القضية.

علاء: ولماذا لم تتدخل أنت؟

عم محمد: لأنني لا أملك القوة يا بني، القوة تعني مزيد من القدرة على التأثير. وأنت تملكها، ورأيت النتيجة بنفسك. لقد عاصرت أعوامًا عدة في انتظار قدوم شخص مثلك. تألمت كثيرًا وبكيت على حال هؤلاء المساكين، لكنني أقسمت أنني سأنتظر اللحظة الحاسمة، والتي يمكنني من خلالها أن أحقق انتقامي لهم، والآن نجحت في ذلك.

علاء: أتمنى أن نكون فعلنا ذلك حقًا. فإن استراح هؤلاء، هناك غيرهم يتعرضون لنفس المآساة.

عم محمد: على الأقل، نحن نفعل ما يجب علينا فعله. أتمنى أن تشعر بعظمة ما فعلت يا بني.

علاء: شكرًا لك على هذه المغامرة الرائعة، انتهى معها خوفي من المشرحة وعالم الموتى، وبدأ معها خوفي من عالم البشر.

عم محمد: هل ما زلت تنوي الرحيل؟

علاء: نعم لا بد أن أفعل ذلك، وأتمنى أن أعود يومًا ما.

عم محمد: إذًا ستجدني هنا بالتأكيد، وفي انتظارك دائمًا، في المشرحة.