مدة القراءة

3 دقائق

في المشرحة (الحلقة الثانية)

2974 قراءة
1

كان هذا الصوت صدمة بكل المقاييس بالنسبة لعلاء، فهو لم يعرف معنى له، ولم يكن يحتاج إلى خوف فوق خوفه الشديد بسبب وجوده في المشرحة وحيدًا، وهو الذي كان يخشى الاقتراب من الدور الذي توجد به المشرحة طوال فترة عمله في المستشفى.

لكن هذه المخاوف لم تشفع له ليتوقف الصوت عن الهمس، واضطر علاء إلى الانكماش أكثر في مكانه، يتمنى لو يجد مخبأ يذهب إليه، لكن لا مهرب من هذا الموقف الصعب.

شل الخوف حركة علاء وتفكيره جدًا، لكنه بعد دقيقة واحدة كان قد بدأ يسيطر على أفكاره مرة أخرى، وبدأ يعيد تقييم الموقف من جديد، هذه الغرفة لا تحتوي على أي شخص حي سواه، إذًا من أين جاء هذا الصوت؟ وما مصدره بالتحديد؟ ولماذا يهمس باسمه هو دونًا عن أي شيء آخر؟

لم يعرف علاء هل استعادته للقدرة على التفكير المنطقي في هذه اللحظة شيئًا جيدًا، أم أنه أسوء شيء حدث له في حياته، فهذه الأسئلة تكفي لأن تدفع بأي شخص عاقل إلى الجنون لو تمكن من الإجابة عليها.

لم يجد علاء حلًا سوى الاقتراب من مصدر الصوت، والذي كان واضحًا أنه يصدر من واحدة من ثلاجات حفظ الموتى.

وصل علاء أخيرًا إلى المصدر، والذي لم يتوقف أبدًا عن الهمس، بطريقة تدفعك إلى الجنون لو أنك واقف هناك تستمتع إليها، وعندما قام علاء بفتح الثلاجة، انقطعت إضاءة الغرفة بالكامل.

كاد علاء يفقد وعيه في هذه اللحظة، فكأنه يعيش في “فيلم رعب” مكتمل الأركان، المكان الذي يخشاه أكثر من أي شيء آخر في حياته، وهو موجود بمفرده، ولا أحد يسمعه صراخه، ولا يريد هاتفه أن يستجيب، ونور الغرفة انقطع، والصوت الهامس!!

كان علاء قد نسي هذا الصوت في ثواني انقطاع الضوء، تعجب كثيرًا لتوقفه، لكنه لم يلبث وأن تردد مرة أخرى، ولكن هذه المرة بدأ الصوت يتكلم.

الصوت: لقد تم اختيارك يا علاء!

علاء: اختياري لأي شيء بالضبط؟

الصوت: هل تعرف كيف جئنا إلى هذا المكان يا عزيزي؟

علاء: حادثة اليوم!

الصوت: لولا أننا نخشى عليك من هول المنظر، لجعلنا الأنوار تعمل مرة أخرى، لكننا نرأف بحالتك كثيرًا!

كل ما نريدك أن تفعله هو أن تتّبع الإشارات التي ستجدها، ستحكي لك عن حكايتنا

تذكر هذه الكلمات جيدًا.. اقترب مني لتسمعها حتى لا يسمع أحد ما أقول.. والآن أريدك أن تبحث عنها في أخبار المساء!

آخر شيء أريد أن أقوله لك.. إن لم تكن معنا، فأنت ضدنا، هذا هو قانون المشرحة يا عزيزي

وصمت الصوت فجآة، ومع صدى كلمة عزيزي في أذن علاء، عادت الأنوار إلى العمل مرة أخرى، لكن وعي علاء لم يكن قادرًا على استيعاب أي شيء، فوجد نفسه يسقط على الأرض مغشيًا عليه.

***

– يا دكتور علاء، يا دكتووووور!

لم يكن هذا سوى صوت عم محمد ينادي على الدكتور علاء محاولًا مساعدته ليستعيد وعيه مرة أخرى، وعندما أدرك علاء ذلك، كان لا يزال ملقى هناك على أرضية المشرحة.

عم محمد: ما الذي حدث معك يا دكتور؟ كيف بقيت في المشرحة ولم تخرج مع البقية؟

علاء: لن أقدر على الحديث الآن، أخرجني من هنا سريعًا ثم أحضر لي كوبًا من الماء

لم يكن علاء قادرًا على فعل أي شيء في الواقع، فقد كان يحاول إقناع نفسه بأنه كان يحلم، لكنه في قرارة نفسه آمن بأن الأمر لم يكن كذلك، هناك جزء حقيقي في التجربة التي مر بها. ولكن الشيء المهم الآن أن يبتعد عن هذا المكان قدر الإمكان.

قاد عم محمد الدكتور علاء حتى بلغ استراحة الأطباء، والتي خلت من الأطباء لحسن الحظ، ثم أحضر له الماء لكي يشرب.

علاء: شكرًا لك يا عم محمد، والآن أريد منك أن تقوم بتنفيذ طلب هام جدًا من أجلي، هل يمكنك أن تحضر لي عدد المساء من كل الصحف والمجلات التي يمكنك الوصول إليها.

ذهب عم محمد لتنفيذ هذا الطلب رغم تعجبه، لكنه في النهاية لا يملك الاعتراض على ما يطلبه الطبيب. في نفس الوقت، قرر علاء استخدام الحاسوب الخاص بالمستشفى لكي يقوم بإتمام البحث. فهو قرر أن يبحث في كل ما يمكن أن يصل إليه، سواءً في الصحف المطبوعة أو الإلكترونية.

استغرق الأمر من علاء وقتًا طويلًا ليبحث على الإنترنت، بجانب البحث في الصحف التي أحضرها له عم محمد. وبعد مجهود كبير، شعر علاء بغصةٍ في حلقه، فها هي الكلمات التي أخبره بها الصوت، موجودة كما ذكرها له بالضبط، الآن يعرف أن ما حدث معه حقيقة. مجرد شعوره بذلك، قام علاء من مكانه، وأدرك حينها أن الوقت تأخر به فعلًا، وفجآة أظلمت الأنوار دون أي مقدمات، ومعها سمع صوت يأتي من بعيد جدًا، يشبه الصوت الذي سمعه في المشرحة، وسقط مغشيًا عليه مرة أخرى.