مدة القراءة

3 دقائق

في المشرحة (الحلقة الثالثة)

3060 قراءة
1

من جديد قام عم محمد بمساعدة الدكتور علاء على الاستفاقة مما حدث معه، وعندما نجح في إفاقته كانت الأضواء قد عادت للعمل مرة أخرى.

عم محمد: ما الذي يحدث لك يا بني؟

علاء: لا شيء يا عم محمد، لا شيء. فقط أشعر بالتعب والإرهاق مما حدث معي اليوم، وأنا لدي ذكريات سلبية مع المشرحة، لذلك فقدت وعيي هناك، ولم أستعد توازني بعد.

عم محمد: وما المشكلة في المشرحة بالتحديد؟

علاء: هذه حكاية قديمة جدًا يا عم محمد.. عندما كنت صغيرًا.. عمل والدي كطبيب أيضًا لفترة من الوقت، وكان يمارس الجراحة بشكل ممتاز جدًا.. وللأسف كان يحكي لي عما يراه داخل المشرحة، لدرجة أنني أصبحت أشعر أن ها المكان كالقبر.. لا يجب عليّ أن أدخله في حياتي.

عم محمد: اذهب إلى منزلك يا بني، واسترح قليلًا.. فلقد قمت بعمل كبير اليوم.

غادر علاء المستشفى متوجهًا إلى المنزل، وبمجرد دخوله تناول طعامًا سريعًا، ثم خلد إلى نومٍ يعرف أنه يحتاج إليه الآن.

في الصباح، ذهب علاء إلى المستشفى من جديد، يعرف أنه يجب عليه أن يتصرف، لم يدرك حتى الآن إن كان ما حدث معه واقعيًا أو لا، لكنه كذلك أدرك أنه يجب عليه أن يتصرف سريعًا في المعلومات التي وجدها، وأنه ربما اختاره الله ليكون سببًا في مساعدة من يستحق المساعدة حقًا.

بمجرد وصوله إلى المستشفى، استجمع علاء قواه، وحدد ماذا سوف يقول بالتحديد للمدير، ثم دخل إلى الغرفة للحديث معه.

علاء: صباح الخير سيدي، هل لي أن أسألك سؤالًا؟

خالد: ما بك تبدو متعجلًا هكذا، إجلس الآن وبعدها نتكلم.

علاء: هناك الكثير مما يشغل بالي يا سيدي، لذلك لا يوجد وقت لأضيعه!

خالد: إذًا تفضل بطرح سؤالك يا دكتور علاء.

علاء: قرأت يوم أمس العديد من الأخبار حول الحادثة التي قمنا بتشريح جثثها، ووجدت أن السبب الرئيسي في الحادثة هو أن القطار لم يحدث له صيانة من فترة طويلة، بسبب أن هناك من قرر أن يأخذ المال المجهز لذلك لحسابه، هل هذا صحيح؟

خالد: وأين قرأت هذه الأخبار يا دكتور علاء؟

علاء: في العديد من الصحف والمجلات، وعلى أية حال، ليس موضوعنا أين وجدت الكلام، لكنني ما زلت أتساءل حول كونه صحيحًا أو لا.

خالد: تذكر جيدًا قبل أن أجيبك، كلما عرفت أقل، كلما كان ذلك في صالحك. لكن ما دمت تبحث عن إجابة، سوف أقدمها لك.

هذا الكلام صحيح مائة في المائة، ولكنه لا يمكن لنا أن نقوم بأي شيء.

علاء: لماذا؟ ما دمنا نعرف أن الأمر مدبر! لماذا لا نتدخل فيه؟

خالد: لأن هذا هو الواقع يا عزيزي، نحن لا نملك شيئًا لنفعله، حتى لا يؤذينا أحد. أن يُقال أي شيء من العامة، فهذا لا شيء على الإطلاق. أما أن يصدر من أطباء، فهذه كارثة علينا وعلى أصحابها.

علاء: شكرًا لك يا سيدي، لقد سمعت ما يكفيني من الكلام. سوف أذهب إلى عملي الآن.

خرج علاء من مكتب المدير مسرعًا، يشعر بوجود بركان مشتعل في داخله، على وشك أن يقذف بحممه على الجميع من حوله. ودار في خاطره أمر على قدر من الغرابة، لدرجة أن علاء تعجب كيف يمكن أن تأتيه هذه الفكرة من الأساس. حيث أنه ببساطة قرر أنه يحتاج إلى الذهاب إلى المشرحة الآن.

ذهب علاء لعم محمد يطلب منه أن يفتح له المشرحة، ورافقه إلى هناك، ثم تركه من أجل إعداد الشاي.

تمنى علاء لو يخبر عم محمد ألا يذهب، لأنه يخشى كثيرًا من وجوده بمفرده، لكنه أيضًا قرر أنه في هذه اللحظة تحديدًا، يحتاج إلى أن يغلب كل خوف في داخله.

آمن علاء في داخله أن المحادثة مع الصوت سوف تتكرر من جديد، لعل هذا هو السبب الرئيسي في عودته إلى المشرحة. وبالفعل صدق حدسه تمامًا في هذه المرة، أظلمت الأنوار وأغمض علاء عينيه في هذه اللحظة، أخذ يدعو ويتمتم بأشياء مختلفة، حتى سمع الصوت يتحدث معه مرة أخرى.

الصوت: لقد أثبت أنك تؤمن فعلًا بقضيتنا يا عزيزي

علاء: لكنني لا أعرف بعد ما الذي يجب عليّ فعله، أشعر أنني أدور في دائرة مفرغة لا تنتهي أبدًا!

الصوت: هل عرفت الآن أنه لا توجد ملائكة هنا يا عزيزي؟

علاء: نعم أدركت ما حدث معكم، وأعرف تلك المآساة الخاصة بقطاركم.

الصوت: حسنًا، أنت الآن وضعت قدمك في الطريق، لكنها ليست الحقيقة كاملة يا عزيزي. لا يجب أن أطيل الحديث هذه المرة، ولعلها المرة الأخيرة لي، بعد ذلك لن أكون قادرًا على تكرار التجربة، لكنني أريدك فقط أن تتفحص المكان من حولك جيدًا. افعل ذلك، بحيادية وبدون قيود. اسأل من تثق به، تُجاب. ابحث، تجد.

صمت الصوت بعد هذه الكلمة الأخيرة، وعادت الأضواء مرة أخرى إلى العمل، لكن علاء استغرق قرابة دقيقة كاملة وهو مغمض العينين، وعندما فتح عينيه، نظر من حوله وأخذ يفكر في النصيحة التي سمعها.

وفجآة قرر أن يفتح الثلاجات الموجودة هنا، لم ينتظر حتى يحضر عم محمد، كان يشعر بأن الأمر خطير جدًا، ولا يحتمل الانتظار. وعندما فتح الأبواب، شعر كأن صاعقة هويت على رأسه، جعلته يصمت قليلًا، ثم يصرخ بعدها: يا إلهي! ما هذا الذي أراه أمامي؟