مدة القراءة

3 دقائق

خصمي الغير شرير

2264 قراءة

خصمي الغير شرير
“أتعلم أني أملك قلبًا ليِّنًا طيبًا،كثير الرحمة؟،لا أظلم من ظُلم ولا أضرّ من لا يستحق الضرر..كنت أود لأدسس يدي في جيبك وأخرج بعض المال فقط لكنّك أطحت بالطاولة واستخدمت الجدال معي وبطبيعة الحال لم يجدي،فوصل بك الأمر أن تدفعني وتركض،أنا من لا يجرؤ أحدًا أن يعيد الكلمة على مسامعي عُصيت ومن شخصٍ مثلك.
أنا رجلٌ فولاذي الذاكرة وصادق بعهودي وأعِدك منذ اللحظة التي تُشاهدني فيها على شاشتك تلك أنك لن تُنسى ولكن أمهلني قليلًا لأطهو لك طبق العقاب شهيًا،نحن..-أطرق قليلًا وابتلع ريقه ثم فتح عينيه في ثقة-وصدقني في هذا الكلام، نحن لا نقتل في سلام أو نريق دمًا بارد،ولا نُعذب ببتر الأعضاء أو تشويه الملامح..
كلّا فلتُصلِ لله إن اقتصر الأمر على ذلك إنه ذروة حنوِّنا،نحن نختلف في رونقنا عن الباقي..دعني أقول لك شيئًا انسَ أمر أن تُصدقني كما طلبت منك،أريدك أن تستهن بأقوالي ولا تقنع إلّا بما ترى بأم عينك.
حسنًا،فلتحرص على نفسك أثناء عودتك من كل محاضرة فلا تعلم متى تكون بغتة الموت يا مُدلل.”
هكذا كانت رسالة ذلك الرجل المصورة التي وجدتها على حسابي الشخصي بعدما حدث ما حدث كما ذكر،بدا لي للوهلة الأولى حين اعترض طريقي شخصًا قويًا،حاد،صارمٌ كالسيف المسلول
ولكني اعتبارًا بأني من دارسي علم النفس توقفت لبرهة أخرى حتى أحلله وليكن تطبيقًا فعليًا على دراستي..قد تراه للوصلة الأولى كما رأيته أنا ولكن لا تُنهِ الأمر في هذه اللحظة بل أنصت لحديثه ولملامحه المصتنعة..أنصت لشفاهه الجافة المشققة وتأمل اسوداد جفنيه السفليين واتساع حدقتيه إذا ذُكرت الرحمة وضيقهما إذا ادعى القوة.
كم يبدو قاسيصا جامد المشاعر حين ترى عظمتي وجنتيه البارزتين وشحوب وجهه الذي يُضفي عليه الشر،ولكنه ليس قويًا وليس عظيمًا كما يرى،إنما هو ليس إلا رجلًا مُتسلطًا افتقد التسلط في الماضي ويلهث ورائه اليوم.
لطالما جمع مليًّا من النِعات المتضاربة في نفسه حمل الشر والضعف والحب والجبروت والضمير-وإن كان خامدًا-
إنه ليس عظيمًا البتة أنا أثق بتحليلي فأنا تلميذ نجيب
فإن عرجت لى تحليل نسق حديثه تجده لا يعتمد على ذاته كمصدر قوة وخَرق وإنما يتوكأ على جيشة-حشد المرتزقة الذين يعينوه-لا أنكر أن لديه شيئًا من الدهاء وحسن التصرف..يبدو أمه لا يملك ما يندم لخسارته لذا يمضي قدمًا مُقدسًا ذاته،يصفني بالمدلل حكمًا على حسن مظهري ويحتقرني كطالب ويرى في نفسه القدسية لأنه يحسب ان خبراته لا يتجعل من أحدًا مثله.
حسنًا هناك رسالة أخرى يبدو أنه يتأهب ويتحرق للإنتقام.
-مرحبًا أيها المُدلل الميت.
-ثم ماذا؟،أكمل.
سبَّني ثم أكمل:أنصحك بألّا تخرج اليوم وسيكفيني استقلالك لفراشك وأنت تتصب عرقًا ودمعًا..
-لن يحدث.
ثم يعود ليسُب مرةً أخرى مضيفًاكلقد دنوت من نهايتك يا مُدلل،غنها أقرب إليك من هاتف الخلوي هذا الآن.
-لست أنت من يتولى قبض الأرواح.
-لا تُجادلني أيها الواعظ اللعين،قد يكون الله جاعلني سببًا لهلاكك.
-حسنًا.
-حسنًا أحكِم الأبواب بغِلظةٍ اليوم.
لا أنكر أن القلق قد اخترق قلبي بل سائر جسدي وشرعت في إمطار العرق،فالتقطت سيجارة وحبةً مُهدئة…أنفُث أنفاس القلق حيث أمتلأت شاشة هاتفي برسائل الوعيد.
لست خائفًا،فهو أضعف من أن يقتلني،أستطيع السيطرة عليه،سوف أنتظره…
ها قد أتى أحس حركةً في الخارج
-أدخل.
-إني أحسدك على هذه الشجاعة.
-ألسنا بشرًا أجمعين؟،ليس منا من هو أضعف من الآخر ولا أقوى.
-هذه نظرتك أنت الشخصية.
ناولته سيجارة وسألته:كيف ترضى عن نفسك بأفعالك هذه؟
-ماذا تقصد بأفعالي؟..سلب الأموال أم القتل أم التعذيب؟-ثم بدأ في لوم المجتمع ومقارنة نفسه بالجميع ووصفه خيانة العالم لبعضه من أعظم من فيه لأقلهم-
-لسنا في مقارنة بين أفضل العُصاه،لم لا تتحدث عن نفسك أنت..ماذا عن الله وتحريمه لأفعالك،ماذا عن ما يدعى الضمير؟ألا يؤلمك أن ترى حسرة ضحاياك ونظرات الرجاء والفزع بأعينهم؟
-قلت لك لا تجادلني يا حقير،أنا أقتل من يستحق القتل أقتل لإسداء معروفًا لشخص،أقتل من يقف حائلًا بيني وبين رغباتي،أقتل من ينقض اتفاقصا فرضته عليه.
-ولمَ تفرضه عليه ألست إنسانًا مثله؟
-الدول حين تنقض العهود بينها تُبيح الحرب،وأنا كدولةً يا مُدلل.
-أريدك أن تتذكر الله،هل تتذكره؟
فباغتني حين اغرورق واحمرّ أعلى جفنيه السوداوين:كفّ عن هذا أيها الحقير.
-لن أكفّ،كيف تحتمل أن ترى إرَب وأشلاء ضحاياك المتناثرة بفعلك كيف تحتمل أن تُنهي حياة شخصٍ أود أن يعيشها،أين جوابك المنطقي لهذا-بدأت دموعه في الهطول لا يقوى على حبسها الآن-هل لو لك أهلًا تحتمل أن ترى أحدًا يفعل بهم ما تفعل أنت؟
فأجابني حيث ازداد وجهه بسورًا وشخوصًا وبدأ أنين بكائه في العلوّ:فُعِل بهم ذلك.
ثم اقترب مني وهمس في أذني:أُقسم لك أني لم أعُد أحتمل وأعدك أني سوف أتغيّر..هل أطلعك على سر؟،انا أضعف أهل الأرض.
ثم دعس سيجارته وطعنني متهتهًا:سامحني هذا قصاصي وفطرتي لأنك واجهتني.
فهمست له مُبتسمًا:سوف تتغير يا صديقي..أنت لست شريرًا.
واستمر في البكاء حتى ساد الظلام.