مدة القراءة

3 دقائق

تطوّر التطوّر في الشرق القديم

1960 قراءة

عندما نذكر ” التطوّر ” في هذه الأيام فلابد من ذكر داروين بعدها مباشرة لما قدمه من مفهوم متقدم للغاية عن تلك النظرية، نحن هنا اليوم لا لنناقش التطور من منظور علمي كما اعتاد الناس عند فتح أي حديث عن تلك النظرية و لكننا هنا اليوم لنسرد مفهوم التطوّر عند الفلاسفة القدامى و العرب بشكل خاص .
نقاط يجب أن نقف عليها قبل أي شئ حتى يكون لدينا جميعا قاعدة واحدة نسير عليها معاً، أولاً لا يهدف من هذا المقال او المقالات القادمة عن نفس الموضوع أن تفخر أو تقلل من شأن أي أحد، فهذه السلسلة من المقالات ستعرض الأفكار الخاصة بشكل كبير على فلاسفة ( مسلمين ) خالفوا العقل الجمعي و كان لهم أفكار مختلفة عن من حولهم و الذي كان بالطبع تعتبر مخاطرة في وقت كان الافصاح فيه عن أشياء غير التي يؤمن بها جميع من حولك هي بمثابة انتحار حرفيا ،
لذلك وجب التنويه أن هذا المقال و غيره لم و لن يتم كتابتهم من أجل التسبيح بحمد الماضي و إلصاق فكرةٍ ما إلى مجموعة على حساب أخرى و إنما من أجل سرد تاريخنا الثقافي من أجل حاضرنا و مستقبلنا .

في البداية بما أننا سنتخذ مفهوم التطور من و جهه نظر العرب يجب التوضيح بأنه لم يستخدم العرب كلمة “ تطوّر “ كما التي نستخدمها نحن الان ، و لم يذكر أن استخدمها في هذا الموضع أحد غير (البيروني) بدون تعمق في أحد كتاباته التي يمكنك الإطلاع عليها  .(1
و لكن بالتأكيد قد شاع استخدام الكلمة و لكن في مواضع أخرى و إضافات مختلفة نتيجة للترجمات و الاقتباسات فيما بين الغرب و الشرق ، ما أردت توضيحه هنا هو أن نأخذ بحذر مفهوم المصطلح و ما كان يعنيه قديما و حديثا حتى لا نخلط الأمور و المفاهيم التي تتفق في الصورة و تختلف كليا في المضمون .
التطوّر قبل الفكر الإسلامي :

تحدث المصريين و حكماء بابل و آشور عن الكثير من الميثولوجيا حيث كانوا يقولون بأن أثر الكواكب و اشتراك بعضها مع بعض، كان سبباً رئيسياً في نشوء الأحياء على الأرض ، و تحدثوا عن أن الأحياء لم تنشأ إلا بالتدريج درجة تعلو الأخرى، و أن بتأثر الكواكب السيارة في عناصر الأرض قد تعاقبت الأحياء فيها، و يقولون أيضا إن بدء التكوين لم يكن الانسان أي أنه ليس محور الكون بل أن “ كتلة لزجة ” من المادة لا شكل لها و لا صورة اللهم إلا نفثة من الحياة نفثها الخالق فيها، و من ثم أثرت الطبيعة في تلك المادة و تقلبت في أطوار من النشوء بلغت في حدها الأخير الصورة البشرية التي نحن عليها الآن ، و هم يدللون على اختلافات صور الأحياء و تمايز الأنواع بتأثير الكواكب السيارة التدي تتبدل تأثيراتها  كل ألف سنة .(٢)

و بالفعل كما كان للمصريين و الأشوريين و البابليين أفكار عن التطور ، كان لكثير من الثقافات تأثر بمفهوم التطور ، فقد ذهبوا الى حصول التوالد بين أنواع الحيوانات المختلفة فقالوا كما البغل يتولد بين الحمار و الفرس، فقد يتولد السبع بين
الذئب و الضبع، و العسبار ما بين الضبع و الذئب و الكثير من هذه التشبيهات التي يمكنك الاطلاع عليها . (٣
و الأن و قد وضحنا بعض الأمور الخاصة بالتطوّر قبل الفكر الإسلامي نتطرق بالحديث عن محور مقالنا و هو ماذا قدم العرب عن التطوّر في وجود الفكر الإسلامي .
سنتحدث عن جماعة اختلف كثير من الباحثين و أقروا بصعوبة البحث في تاريخها حيث الغموض الذي سيطر على تلك الجماعة نظراً إلى السرية و الكتمان اللذين ضربهما أعضاء الجماعة حول أنفسهم خوفا من الاضطهاد الذي مارسته السلطة العباسية عليهم، و في ظل اتهام الفلاسفة أيامهم بالإلحاد في خضم الصراع الأيدولوجي المختلف تماماً بينهم و بين الدولة العباسية .
هذه الجماعة هي (إخوان الصفا) … 
نشأتهم و ثقافتهم و رسائلهم التي اشتهرت بها تلك الجماعة و بالتأكيد مفهومهم عن التطوّر، هو موضوع المقال القادم .
لنا لقاء ..
(١) محفوظ عزام . مجلة شئون عربية العدد ٣٥ . صـ ١٧٣ . ( نقلا عن على أحمد الشحات : “ أبو الريحان البيروني “ ، دار المعارف ، ١٩٦٨ ، صـ ١٣٩
(٢) مقدمة كتاب أصل الأنواع لداروين .. إسماعيل مظهر صـ ١٢ – ١٤
(٣) مجلة المقتطف ، ديسمبر ، سنة ١٨٨٥ – الجزء الثالث من السنة العاشرة – صـ ١٤٥