مدة القراءة

3 دقائق

اختيارات

1890 قراءة
1

أعلم أنكم لا تنتظرون مني مبررًا  لتلك الحياة المكررة التي اضطر ثلاثتكم إلى عيشها، لكنني أخبركم الآن بأنها اللحظة التي كنت أنتظرها، اللحظة التي أُحال فيها إلى العدم. يمكنني أن أخبركم أنني أكرهكم وأكره أبيكم الذي أجبرني على جلبكم لتلك الحياة الخاوية. ربما لم أجرب المحاولة سوى منذ زمن، حين تحديت إهمالهم لي في المنزل لأعلن بقوة عن كينونتي في المدرسة، والتي سرعان ما أحالها زواجي بأبيكم إلى العدم.

 

 أخبركم أنهم لم يتركوا لي الخيار، هكذا وجدتني أنتقل من بيت إلى بيت. من تحكم غريب عني، وهو أبي الذي يعاملني كما يعامل الأسياد جواريهم، إلى غريب لم أعرفه حتى بعد مرور عشرات السنين. في كل مرة كنت أتلقى الإهانة صفعًا أو لفظًا، كنت أشعر بأن روحي تحلق بعيدًا عن هذا المكان، أنا لم ولن أنتمي إلى هنا. توقفت عن سؤال الله كل ليلة “لماذا”، توقفت عن التذمر والشكوى، أصابني التبلد، فلتمضي الحياة كما هي. من أنا ليختلف عندي منحنى التكرار! ربما التبلد يصيب بالعمى، بفقدان الوقت، لا أدري، لكنني لا أدرك سوى أنني مازلت هناك على سريري، أسمع صوت أبي ينهر أمي بقوة، ويخبرها بأن الأمر قد قضي وأنني سأتزوج نهاية هذا العام.

 

لاشيء كان بإمكانه إنقاذي من ذلك الموت المحتم، كانوا يريدونني أن أتزوج وأنا في الخامسة عشر من عمري، وأنا التي يتنبأ لها كل من بالمدرسة بالنبوغ. كنت أعلم أنهم لا يكترثون سوى بأن الفتاة مصيرها الزواج عاجلًا أم آجلًا. تناسيت معتقداتهم وخلقت عالمي الخاص، ولكن لم أتخيل أن يصل بهم الأمر لأن يزوجونني دون إراداتي، وفي هذا السن! حاولت الصراخ، البكاء، اللجوء للأقارب، لم يجدي أي شيءٍ مطلقًا. لم أستطع أن أخضع لكل هذا، لم أستطع سوى أن انتقم لكل فتاة يراها أهلها على أنها جارية، يهبها لهم الله فيهبونها لذلك الذي سيدفع أكثر. قررت أن أنتقم لأمي التي لا يراها أبي دون أن يصفعها. كان سم الفئران الذي تضعه أمي بالرف الأعلى في المطبخ هو الحل الأمثل، تفانيت في إعداد الطعام يوم الخطبة، كانت الوصفات لا ينقصها سوى عشر معالق من السم وتصبح جاهزة، ارتديت أحلى الثياب، وجلست هناك أنشر عطري بين كل هؤلاء ممن يتوجعون من تلك التقلصات الشديدة بأمعائهم. جلست أنظر إليهم حتى هدأ كل شيء، لم أكن أعتقد يومًا بأنني سأنتقل من الموت، إلى الموت في هذه الزنزانة المقيتة. لكنني لا أعلم لماذا لا أدرك سوى أنني مازلت هناك على سريري، اسمع صوت أبي ينهر أمي بقوة، ويخبرها بأن الأمر قد قضي، وأنني سأتزوج نهاية هذا العام.

 

“هي اختياراتنا التي تحدد من نحن، وفي بعض الأحيان، يكون الخيار بعيدًا تمامًا عن كل المُتاح. لا تتسع عقولنا سوى لما هو ممكن أو مُجرب، بينما نجدها تستحيل سجونًا ومقاصل إعدام لكل خيار جديد. لكني قررت أن أسبح بعقلي خارج حدود المُعتاد، وأسير وفق خطتي. أن أتجاهل الجميع، أن أتجاهلني أنا أيضًا. أنا التي بالرغم من تزمرها من أهلها، لأنهم لا يعترفون سوى بكونها فتاة مصيرها الزواج، كانت تعتمد عليهم في مأكلها ومسكنها. كانت الخيارات كثيرة على عكس ما أخبرني والدي بالقرار الحتمي، كأن أختيارهم لهذا الزوج في هذا الوقت، كاختيار الله لي أن أكون فتاة، واختياره لي بأن أبلغ. كلها ليست اختيارات إنما قرارت آخرين، وأنا ليس لي سوى أن أنصاع  للإرادة العليا. لكنني كنت أعلم أن أبي ليس الله، وأن الله أعطاني كل الخيارات الممكنة. لذا لم يكن أمامي سوى الهرب بعد العديد من المحادثات غير المجدية.” كانت هذه مقالتي الأخيرة لكم أيها الرفاق الغرباء مني، أنا الهاربة التي صنعت حياة باختيار خارج كل حدود الاعتياد. ودعوني أخبركم سرًا، أنني لا أعلم لماذا لا أدرك سوى أنني على سريري، أسمع صوت أبي ينهر أمي بقوة، ويخبرها بأن الأمر قد قضي، وأنني سأتزوج نهاية هذا العام.

 

كانت الشمس قد دخلت الغرفة، لكن لم تكن هي من أوقظني، بل صوت ذلك الرجل الذي يُدعى والدي، يصفع أمي بشدة ويخبرها بأن الحديث قد انتهى، وأن الأمر قد قضي، وأنني سأتزوج نهاية العام. لم أفعل شيئًا سوى أن تناولت زجاجة المياه، شربت ثم عدت لنومي مجددًا!!