مدة القراءة

4 دقائق

ألعاب الفيديو لها ما لها وعليها ما عليها

4195 قراءة

حتى الآن وصلت إيرادات ألعاب فيديو الكمبيوتر لهذا العام (2020) إلى 37 مليار دولار أمريكي، في حين وصلت إيرادات ألعاب فيديو الهاتف المحمول لهذا العام ما يقرب لـ 77 مليار دولار أمريكي، أما إيرادات أجهزة ألعاب الفيديو وصلت لـ 45 مليار دولار أمريكي

 

 

أرقام مرعبة واستثمارات ضخمة فرضت نفسها على الحياة وكل المجتمعات بإختلاف أشكالها، ولكن هل تعود علينا تلك الإنفاقات بأي خير أو فائدة؟

إذا قررت البحث في هذا الشأن في عالم الانترنت، بنسبة كبيرة سوف يظهر لك الوجه الشرير والمتوحش لهذا السوق، إذ لفترات كبيرة ولأسباب كثيرة وحقيقية ارتبطت ألعاب الفيديو بالعواقب الصحية السلبية مثل زيادة في نسب السلوكيات العنيفة والخمول وقلة النشاط وزيادات الوزن، وعواقب اخرى قد تصل لحد الإدمان.

 

لكن هل يوجد وجه آخر لتلك الصناعة ؟

 

هل تمكن التقدم العلمي المتسارع من تطويع تلك الألعاب لخدمة البشرية والاستفادة منها؟ وهل للتطور الهائل الحادث في التكنولوجيا دور لجعل تلك الصناعة لها وجه حسن ؟

الإجابة على تلك التساؤلات سوف نستعرضها سويا في السطور التالية

 

مؤخرا ظهر توجه جديد يهدف لإستخدام ألعاب الفيديو في العلاجات الطبية والنفسية تعددت الأمثلة والطرق لتحقيق هذا الهدف وسنحاول سويا في هذا التقرير الاستعراض على اهم العلاجات المرتبطة بتقنيات الفيديو جيم.

ألعاب فيديو تستخدم في علاجات طبية

لعبة EndeavoRX

1- أحدثهم هو قرار موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية FDA بشكل رسمي على أول لعبة فيديو كعلاج يمكن للأطباء وصفه لعلاج مرض فرط الحركة نقص الانتباه ADHD.

اللعبة هي EndeavoRX المقدمة من شركة Akili interactive في بوسطن

تم تطوير تلك اللعبة على مدار 7 سنين وتم تجربتها على 600 طفل، أظهر ثلثهم تحسن بعد شهر واحد فقط.

 

مبدأيا اللعبة تستهدف الأطفال من عمر 8-12 عام، ولا يمكن الدخول إلى اللعبة بدون الحصول على وصفة طبية من طبيب مختص.

 

لكن ما هي ألية تلك اللعبة؟ وكيف من الممكن أن تكون علاج لمرض نفسي ؟

على اللاعب أن يقود مركبة طائرة محاولا الوصول لنقطة النهاية، وفي طريقه عليه أن يتجاوز بعض العواقب مثل النيران والحُفر وما إلى ذلك.

على الطفل اللاعب أن ينجز 5 مهام في مدة محددة، ما أن ينجزهم حتى تغلق اللعبة نفسها تلقائياً إلى اليوم التالي

 

ما المختلف في هذه اللعبة تحديداً؟

تم تصميم تلك اللعبة من قبل فريق من علماء الاعصاب ومصممي الألعاب لتتناسب مع كل طفل على حدة على حسب مستوى التركيز ونقاط الضعف التي يجب تقويتها.

من خلال بعض الخوارزميات تقوم اللعبة بمعرفة هذا المستوى وقياسه، وبناء عليه تحدد اللعبة من مستوى الصعوبة الذي يتناسب مع مستوى تركيز الطفل، وبهذا الشكل تصبح اللعبة دواء مخصص لكل حالة على حدة.

اللعبة تم تصميمها وبرمجتها خصيصاً لتحدى انتباه الطفل اثناء العلاج عن طريق الانتباه والتركيز لمهام متعددة في نفس الوقت اثناء اللعب.

لعبة Shark Showdown Bandit

2- يعمل مصمموا لعبة Shark Showdown Bandit مع عالم الأعصاب جون كراكوير الذي يسعى لتغيير منظور العالم بخصوص طريقة تعاملنا مع إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية. تم تصميم نسخة معدلة من اللعبة ليتم لعبها من قبل مرضى السكتة الدماغية الذين يعانون من ضعف في الذراعين عن طريق استخدام يد آلية.

إذ يحاول المريض مزامنة حركة ذراعهم مع حركة الدولفين وقفزاته.

يقول كراكوير ” يجب أن يشمل إعادة تأهيل مرضى السكتة الدماغية أنشطة بصرية وإدراكية وحركية مثيرة.”

 

 

 

3- يتم إستخدام ألعاب الفيديو في الخفض من حدة القلق والتوتر مع بعض المرضى، إذ في دراسة أجريت على 112 طفل تتراوح اعمارهم من 4-12 عام لقياس مدى تأثير ألعاب الفيديو على التقليل من حدة القلق لديهم أثناء التخدير وقبل الخضوع لعملية جراحية. تم تقسيم الاطفال إلى 3 مجموعات

  • المجموعة الأولى تواجد معها أحد والدي الطفل
  • المجموعة الثانية تواجد معاها أحد والدي الطفل + اعطاء مهديء للطفل
  • المجموعة الثالثة تواجدها معاها أحد والدي الطفل + جهاز لألعاب الفيديو متألف من 10 ألعاب من منصة Nintendo Gameboy بهدف توفير نوع من الإلهاء والتسلية

 

النتيجة كانت:

  • المجموعة الاولى أظهرت نسبة كبيرة من القلق منذ البداية وحتى مرحلة التخدير
  • المجموعة الثانية أظهرت بعض القلق في البداية وحتى ظهور مفعول المهديء
  • المجموعة الثالثة لم تظهر عليها أي نوع من أنواع القلق بفضل استخدام لعبة الفيديو.

 

تقول دكتور Gayatri Devi طبيبة الأعصاب في مستشفى Lenox Hill في مدينة نيويورك والحاصلة على الدكتوراة من جامعة كولومبيا “إن الأبحاث تؤكد حقيقة أن الألم دائما مايكون محسوسا في الدماغ وليس في اجزاء الجسم، لذلك إن تشتيت الانتباه عن طريق ألعاب الفيديو أو ألعاب الواقع الافتراضي أو أي شيء آخر سيؤدي إلى إدراك أقل للألم”

 

4- مؤخراً ظهرت الكثير من الألعاب التي تهدف إلى زيادة النشاط والحركة للأطفال للحد من أمراض السمنة وقلة النشاط، فعلى سبيل المثال قامت ولاية فيرجينيا الغربية في الولايات المتحدة بإعتماد لعبة Dance Dance Revolution وتثبيتها في جميع المدارس الحكومية في الولاية والبالغ عددها 765 مدرسة للزيادة من حركة الطلاب ونشاطهم في حصص الرياضة الخاصة بهم.

 

 

5- في التسعينات قام هانتر هوفمان -الحاصل على الدكتوراة من جامعة واشنطن وهو عالم وباحث في علم النفس المعرفي- مع زميله ديفيد باترسون –دكتوراه واستاذ علم النفس في كلية الطب بجامعة واشنطن- بإنشاء تقنية الواقع الافتراضي لاستخدامها في إلهاء المرضى عن الألم في التسعينات، والتي تم تسميتها SnowWorld VR والذي يعتبر أول تطبيق لتقنية الواقع الافتراضي في تخفيف الالام في المستشفيات، ويستخدم حاليا في مستشفيات Shriners للأطفال في تكساس

في دراستهم تلك، أبلغ مرضى الحروق الشديدة عن ألم أقل بنسبة 35-50% أثناء تلقى بعض الإجراءات العلاجية المؤلمة و استخدام التقنية الجديدة في نفس الوقت.

 

 

الأبحاث والتجارب في هذا الشأن كثيرة وعديدة، وحصرها في مقال واحد سيتطلب الكثير والكثير من الوقت. إذ تتمليء المكتبات البحثية والمعامل بالعديد من الأبحاث المتضادة في هذا الشأن، ومازال العلماء في اختلافات حول إمكانية الوصول لمرحلة قوية من العلاج عن طريق ألعاب الفيديو، أو حول إمكانية تفادي النتائج السلبية لتلك الصناعة، أو حتى عن إنشاء نهج جديد من تلك الألعاب يهدف لإضافة فائدة صحية أو علاجية لمن يلعبها.

 

من وجهة نظر إقتصادية بحتة، قد يجد المستثمرين فائدة إقتصادية ومجتمعية من الإستثمار والتعاون مع العلماء في هذا الشأن في مختلف المجالات.

ولكن الأمر الأكيد الآن أن هذا التحول وهذا التوجه قد بدأ بالفعل منذ سنوات عديدة، وبعضها قد آتي بالفعل بثماره المبشرة.

 

هذا التقرير منتج في إطار مشروع الصحافة العلمية «العلم حكاية» الذي ينظمه معهد جوته، وبدعم وزارة الخارجية الألمانية.