مدة القراءة

3 دقائق

قصة قصيرة : لكننا واحداً

2020 قراءة

الساعة الثانية عشرة ظهراً , إنتهت تواً محاضراتي لليوم .. لست شخصاً يفضل الإطالة في الكلية بأي حال , لأتوجه إلي المنزل إذن ..
معي السيارة .. رائع .. سيكون هذا خميساً جيداً .. مثل الأيام الخوالي .. لنرجو هكذا علي الأقل..
لا أعلم ماذا دهاني هذه الأيام ,أعلم أنني أحب القيادة السريعة , خاصةً عندما أكون وحدي ,لا أحبذ فكرة بث الرعب في قلب المسكين تعيس الحظ الذي شاءت الأقدار الكونية أن يكون بجانبي في هذه الفترة من حياتي ..
أين كنا ؟ نعم .. أحب القيادة السريعة , لكن ليس هكذا !
ربما الملل الذي ينتابك وأنت تضيع المزيد من الوقت , “المزيد من عمرك” علي هراء لا طائل منه كأن تصل من الكلية إلي منزلك ..
كم هي سريعة قيادتي ؟ .. حسناً .. لنقل إن متوسط سرعتي علي الأوتوستراد هو 100كم/ساعة , أما سرعتي علي منحدر/مطلع المقطم هو 100 نزولاً .. 80 صعوداً .. أتري .. لست سريعاً تماماً كما ظننت !
————————————————
حسناً دعني أتكلم عن نفسي في الفترة القادمة بصيغة الغائب .. لم أعد “أنا” بل صرت “هو” ..
“هو” ههنا هو “أنا” الأخر .. “أنا” في زمان و مكان مختلفان .. في بعد زمكاني مختلف .. نتشابه و نتناقض .. لكننا واحداً ..
نعم لازلت طالبأ في كلية الهندسة .. لازلت متقلب المزاج .. الإختلاف بيني وبينه هو إختلاف في تفاصيل دقيقة .. مُحصلة تجميعها يجعلنا مختلفين .. بل كما قلت , يجعلنا متناقضين .. بل ربما لو قابلته .. لكرهتني .. أقصد كرهته ..
يتلاقي المتجه الزمكاني الخاص به و الخاص بي في نقطة .. شاءت الاٌقدار أن تكون اليوم .. الخميس .. الساعة الثانية عشرة ..
أنا أمام سيارتي .. و هو -بالطبع- أمام سيارته ..
أنا وصلت بيتي بسلام .. أما هو ..
——————————————–
ركب السيارة .. همم.. المرآه الجانبية .. أهه هكذا .. من اللعين الذي يعبث بها بإستمرار ؟!
الأوتوستراد يبعد 7 دقائق بالسيارة عن الكلية .. معه .. هم إثنان فقط ..
القلعة تلوح في الأفق .. عداد السرعة يقترب من المئة .. بعض الزحام المعتاد .. لا مشكلة , قد أجاد فن “تخييط” الأوتوستراد .. لو كان الأوتوستراد قطعة قماش مهترئة لصارت كالجديدة الآن ..
عداد السرعة يقترب من المئة و عشرين .. نحن نتكلم عن ثوانٍ ههنا .. ابق يقظاً ..
القلعة تبدو أكثر وضوحاً … مهلاً.. قرص الشمس كان مختبئ في استيحاء وراء القلعة .. اللعين تشجع الآن وظهر .. لم يكتفي بالظهور بل يريد إصابتي بالعمي ..
هاي , أبتعد أيها القرص الغبي .. ألا تري أنني في عجلة من أمري .. اريد ان أرجع لسريري حالاً .. هيا أغرب عن وجهي ..
بالطبع -كما تعلمون- لم يستمع القرص إلي كلامه ..
ما هذا الذي يحدث .. لم رأسي تلتصق بالسقف .. من قلب السماء وجعلها في الأرض ؟ .. مأذنة القلعة !! اللعنة , إنها معلقة في الهواء .. يا ليت معي وقت لألتقط صورة لها .. لربما جمعت عدد رتوتة ولايكات كبير و .. لم يتسارع قلبي هكذا .. هاي اهدأ و استمتع باللحظة .. لا تري قلعة صلاح الدين معلقة في الهواء كل يوم
كراك كراك كرررر .. الزجاج الأمامي تحطم .. أم هذه ضلوعي ؟
كخخخخخ .. السقف يحتك بالأسفلت وينبعج فوق رأسي .. أم رقبتي هي التي تنبعج ؟ ..
عويناتي ! اين هي .. دوماً تختفي وقتما تحتاجها ..
ابتسم عزيزي .. ها هي النهاية .. ابتسم .. من يحتاج لعوينات في لحظة كهذه علي أي حال ؟
لا , لا تتراجع عن الإبتسام الآن .. لطالما وددت أن تقابل نهايتك مبتسماً .. أن تنظر لها في عينها و تقول ! :
أنت , تباً لكي .. أنا لا أخشاكي .. هيا .. أفعلي ما أتيتي لأجله ..
الظلام يسود .. فلا تشعر بالزجاج يخترق صدرك , ولا بعامودك الفقري و هو يتهشم , ولا جلدك الذي ينشوي من إحتكاكه بالأسفلت بسرعة 100كم/ساعة .. أنه مشهد مضحك للأسف .. أنت تترضي علي الأسفلت .. كالكرة .. تقفز في الهواء .. ترتطم بالأسفلت حتي تفاجأ ان سرعتك أكبر بكثير من أن تتوقف .. فتتطير في الهواء مرة أخري .. وترتطم .. مرة أخري .. لا ليست بأخيرة !
تستقر بجانب الرصيف .. تكاد تسمع الهرولة من حولك وصوت المكابح للسيارات الأخري .. يتجمع حولك الجميع .. تكاد تسمع لا حول ولا قوة إلا بالله .. أحدهم يقول .. كان ماشي بسرعة يستاهل .. الرعديد .. لو كنت في صحتي الأن لهشمت وجهه ..
أستسلم ؟ .. لا أدري .. لا اظن هذا القرار لا يزال في يدي .. ربما قد أستسلمت بالفعل وأنا أضغط علي الدواسة .. وأنا أراقب العداد في نشوة .. لربما أعتبرني القدر هكذا أوقع علي شهادة وفاتي بنفسي .. فما كان بيده سوي أن ينفذ رغبتي .. حسناً سأستسلم .. لكن بأبتسامة تعلو وجهي .. أيتها النهاية تذكريني ! أنا الذي ضحك في وجهك ! لا أخشاكي .. تباً لكي أتعلمين ؟!
أمي ستقهر .. أبي سيلحق بي غالباً .. اه .. لا شيء بيدي الأن .. لا مجال للتراجع بأي حال .. أبتسم ..
ها هي أتية .. أبتسم !
تقترب ..
أهي مبتسمة ؟
لا إنها تبكي ! .. تقول لي لا ترحل ! أنت أفضل من هذا !
لكن أيتها النهاية .. أيها الموت .. أنا رجل .. والرجل لا يخشي الموت ..
لهذا أبكي يا صغيري .. أنت لست برجل بعد .. ارجع أرجوك ..
-لكن ! قد مضيت ..
-أرجع .. سأسامحك هذه المرة .. هيا أغرب عن وجهي .. سأتذكرك كما تشاء .. أنت شجاع .. سعيد هكذا ! ها قلتها .. هيا إذهب ..
-أشحن يا حسن 80 فولت-
جاهز ؟ طراكـــ .. يعلو صدره في الهواء ..
-90 يا حسن , بسرعة !! يلعن د** أ** يا حسن !
طراكـــــ , يرتفع صدره أعلي ..
بيب , بيب , بيب , بيب , بيب …