مدة القراءة

3 دقائق

النبوءة المحققة لذاتها .. توقع ما شئت وانتظر النتيجة

5974 قراءة

هل صحوت يوما تعتقد أن يومك سيكون سيئا إلى حد ما ؟ وتظن أن ثمة أشياء سيئة ستحدث .. فالأغلب تتذكر أنك عليك الذهاب للعمل ولن تستطيع أن تُكمل نومك ويمضي اليوم بمزاجا سيئ وأحداث مزعجة .. وكالمعتاد نجد أن غيرنا أيضا يعانون من مزاجا سيئا طيلة أوقات العمل .. 

يمكننا أن نعتقد أنك قد تكون حظيت بتجربة لطيفة مع نظرية ” النبوءة المحققة لذاتها” .. 

تشرح هذه النظرية “التي وضعها عالم الاجتماع (روبرت- ك- ميرتون)” في عام 1949 الطريقة التي يتأثر بها السلوك الاجتماعي بالتوقعات التي تتكون لدي الأفراد والجماعات تجاه البعض ..

أو بمعنى أخر أنك إن توقعت أن ثمة شئ سيحدث دون سبب محدد، بنسبة كبيرة توقعاتك ستتحقق طبقا لهذه النظرية ..

حيث أن اعتقادنا عن شخص أو موقف ما وطريقة تقييمك له، سيؤثر وبشكل مباشر على تصرفك الشخصي معه مما يجعل اعتقاداتك محققة، على سبيل المثال .. مدرب كرة قدم مع فريقه الجديد، حيث أنه قد بنى توقعات أنهم بغير كفاءة عالية، دون أن يضعهم تحت اختبار، وحين فعل ذلك تعامل معهم بسلبية واستخفاف وبالتالي لم يهتم اللاعبون بالاختبار أو يأخذوه على محمل الجدية، مما جعلهم يخفقون في الاختبارالأول وتحققت نبوءته عنهم .. 

وفي دراسة أخرى تمت عن هذه النظرية حيث قام مجموعة من علماء النفس بإقناع عدد من الطلبة الذكور بأن هناك فتاة معهم في نفس الفصل منجذبة لهم، وعدد آخر بأن نفس الفتاء لا تلتفت لهم أصلا.. 

قاموا العلماء بمراقبة ردود الأفعال بين الطلبة وتلك الفتاة المنشودة حين تبادلوا أطراف الحديث معها، حيث أن الطلبة الذين اعتقدوا بأنها بالفعل منجذبة لهم كانوا في غاية الذوق معها مما جعلها تتصرف معهم كما لو كانت منجذبة بالفعل لهم … 

لماذا وكيف حدث ذلك ؟؟ .. إعتقادهم الاول بانجذابها لهم كان له تأثير مباشر على تصرفهم معها مما جعلها تتصرف كما كان متوقع منها..

يمكنك أن تعتقد أن النبوءة المحققة لذاتها هي حلقة متصلة ومتكررة، حيث أن تفاعلنا مع الأخرين يؤثر وبشكل مباشر عن اعتقادهم عنا ومن ثم تتعزز الصورة العامة بداخلنا عن اعتقادنا الشخصي عن أنفسنا ويؤثر على أفعالنا مرة أخرى، مما يعيد لنا بداية الحلقة، هذه الحالة قد تكون سلبية كما حدث مع مدرب كرة القدم، أو إيجابية كما حدث مع تجربة الفتاة والطلبة..

هناك دراسة حديثة في عام 1960 تشرح قوة هذه النظرية وتأثيرها الايجابي على مجتمعات بأكملها وعرفت بتأثير بجماليون، حيث قام روبرت روزنثال ولينور جاكوبسون بتجربة داخل مدرسة ابتدائية حيث تم الإعلان عن وجود خمس طلاب في كل فصل ” متميزون” والاتفاق مع المدرسين بأن يُظهروا ذلك في طريقة مدحهم للطلبة ورفع درجاتهم، مما جعل ذلك ينعكس على سلوك الطبلة ذاتهم واختيارتهم، وهو بالتحديد ما أثبتته التجربة بأن التأثير الإيجابي للتوقعات وحسب نظرية النبوء المحققة لذاتها قد يتحقق نتيجة أفعالنا والتي تأتي تحت تأثير توقعات وأراء مسبقة..

انتشرت هذه النظرية بين الثقافات المختلفة حيث اعتقد فيها اليونان والرومان والهندوس والعرب أيضا من خلال الرؤى والأحلام، والتي تتحقق بشكل كبير حين نعتقد فيها وننتظر حدوثها، وانتشرت الأساطير مثل سلسلة حكايات “ألف ليلة وليلة” والتي تدور حول تحقق الرؤى والأحلام مما خلق إعتقاد ثابت بذلك ..

وبالتأكيد ظهرت النبوء المحققة لذاتها بشكل واضح في الروايات العالمية مثل “ماكبث” ل “شكسبير” وسلسلة أفلام  “هاري بوتر” ..

وفي العصر الحديث ظهر مفهوم آخر يؤكد هذه النظرية وهو “قانون الجذب“، وفقا لهذا القانون فكل شئ يحدث بناءا على اعتقادتنا وأفكارنا، وعلى الرغم من ذلك إلى أن هناك الكثير من الأفعال إيجابية كانت أو سلبية لم يجد العلم لها تفسير تبعا لهذا القانون مثلا بل وتعكس مفهومه من الأساس ..

حاول بعض العلماء دراسة مجموعة من الظواهر المختلفة كعلم الأبراج والتنبوءات .. وما سبب ارتباط فئة كبيرة من المجتمع بها وقناعاتهم بمدى صدقها واللجوء إليها في الأمور الخاصة واتخاذ القرارات الهامة، يعود ذلك لذات النظرية التي نناقشها اليوم وهي النبوءة المحققة لذاتها، فصدق اعتقادك بما يتنبئ به برجك سيجعله واقع حقيقي لا مفر منه، ومن ثم ويُزيد إيمانك بصدق تنبؤه وهكذا .. 

الخلاصة أن كل ما متوقع آت، فأفعالك حصيلة تنبؤاتك وواقعك هو ما تبنيه أنت من خلال أفكارك وردود أفعالك تجاه كل شئ فيه ..